عرف العنف السلفي تحولا نوعيا خلال الأحداث الأخيرة من حيث درجة التنظيم والتزامن في عديد المناطق والجهات، ومن حيث حجم العنف الذي استهدف مقرات الاتحاد الجهوي للشغل وحركة الوطنيين الديمقراطيين والحزب الجمهوري بمدينة جندوبة بعد النجاح الجماهيري الذي حققه الإضراب العام بهذه الولاية المناضلة. ولم يستثن العنف الهمجي مؤسسات سيادية وعمومية وطال المحاكم ومراكز وأعوان الأمن العمومي وتجهيزات الحماية المدنية التي يتحمل كلفتها الشعب الكادح.
ومثلما عبرنا في مناسبات سابقة، فإننا نؤكد على أن الضوء الأخضر الذي أعطته الحكومة لهذه الجماعات والحماية الأمنية والقضائية التي وفرتها لها طيلة الأشهر الأخيرة جعلها تتمادى في ترويع المواطنين، بل إن تزامن الموجة العنفية الأخيرة مع تصاعد الحركات الاحتجاجية في كامل البلاد وفشل الزيارات الحكومية لأغلب الجهات يطرح أكثر من سؤال حول استخدام هذه الجماعات واستفادة الحكومة من ظهور حركة النهضة بمظهر التيار المعتدل ومن تحويل وجهة النضالات الجماهيرية في الجهات المهمشة والقطاعات المستغلة المطالبة بالتشغيل والكرامة والحرية، إلى افتعال معارك موهومة وزائفة بين المؤمنين والكفار لا تعني قضايا الشعب المصرية في العدالة الجهوية والاجتماعية والديمقراطية المحلية والحريات المدنية اللامشروطة، بل تهدد حقه في الاحتجاج ومواصلة الثورة باستغلال قانون الطوارئ ومنع الجولان للإجهاض على المسار الثوري.
لقد أثبتت هذه الحكومة فشلها الذريع على جميع المستويات وفاحت فضائحها التي كان آخرها فضيحة تسريب امتحان الباكالوريا لضرب مصداقية التعليم الجمهوري وتهيئة المناخ لعودة أشكال التعليم القروسطي والقضاء تدريجيا على بعض المكاسب التحديثية للتعليم في تونس. وأما هذا الفشل تلجأ الحكومة كالعادة إلى تحميل المسؤولية إلى "أقصى اليسار" واتهامه بالتطرف وبالمسؤولية عن هذه الأحداث تهربا من مسؤولياتها وواجباتها في حماية المواطنين والمؤسسات العمومية وعجزها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي عن إدارة هذه المرحلة، وهي إذ توازي بين عنف التطرف الديني المروع للمواطنين والمربك للمؤسسات العمومية وبين مواقف اليسار الثوري الفاضح لسياسات لالتفاف اللبرالي سواء لدى الحكومة أو لدى المعارضة البورجوازية، بداعم للمطالب الجماهيرية في تحقيق التشغيل والكرامة والحرية ومساندة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتنمية الجهوية والعدالة الاجتماعية والتسريع بتصفية الإرث الاستبدادي، إنما تحاول الحكومة يائسة النيل السياسي من مكونات اليسار الثوري باعتباره معارضا راديكاليا لسياستها الاقتصادية اللبرالية الموروثة عن العهد السابق.
ومثلما عبرنا في السابق، فإن مساندتنا لحرية الإبداع الفني والثقافي دون شروط لا يعني مساندتنا كيسار ثوري للمستوى "الفني" الرديء والذوق "الجمالي" الهابط المستفز لمشاعر الشعب، ونعتبر أن هذه الممارسات تذكرنا بما حدث مع أفلام سابقة كانت معدة للتوزيع الخارجي والاحتفاء الصهيوني لا يتحمل اليسار الثوري مسؤوليتها. غير أن ذلك لا يبرر الاعتداء على الحريات العامة والفردية ولا يبرّئ الحكومة من التورط خلال عديد المناسبات في توفير الغطاء السياسي والأمني والقضائي لعنف هذه الجماعات وتشجيعها على تخويف المواطنين قصد الترفيع من سقف التراجعات المهددة للحريات العامة والخاصة والمعادية للشباب والنساء والأطفال.
فلتذهب هذه الحكومة الفاشلة، وليتحمل الإتحاد العام التونسي للشغل مسؤوليته التاريخية في تشكيل حكومة عمالية شعبية معادية للبرالية مهما كان لونها.
ليست هناك تعليقات:
Write comments