أمينة الزياني
بعد عبور تونس الأزمة السياسية الأخيرة إثر إقرار الدستور الجديد للبلاد في نهاية شهر كانون الثاني الماضي وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة وزير الصناعة الأسبق مهدي جمعة، والتي سيكون من ابرز مهامها الإشراف على الانتخابات المقبلة، كان لا بد من التحدث إلى أبرز الشخصيات السياسية في البلاد للوقوف على تقييمها للمرحلة السابقة وعلى رؤيتها للمرحلة المقبلة.
وفي هذا السياق، كان الاهتمام بالحديث إلى رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر، بصفته الرسمية وكونه يمثل شخصية محورية في الحياة السياسية التونسية، وهو أمين عام "حزب التكتل من أجل العمل والحريات". وجرى الحوار على هامش اللقاء الذي نظمته كلية الحقوق في "جامعة صفاقس"، أمس الأول.
عرف التونسيون مصطفى بن جعفر مناضلا ضد "الديكتاتورية"، حيث خرج في شبابه عن "الحزب الاشتراكي الدستوري" وعارض الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ليؤسس "حركة الديموقراطيين الاشتراكيين" برفقة عدد من الناشطين السياسيين في العام 1978. انشق عن الحركة في بداية التسعينيات من القرن الماضي بعدما تغيرت سياساتها وهادنت نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وأسس في العام 1994 "حزب التكتل من أجل العمل والحريات" واستمر في معارضة نظام بن علي.
بعد خلع بن علي، عُرضت عليه حقيبة وزارة الصحة في حكومة محمد الغنوشي، لكنه رفضها وهو ما زاد في شعبيته ودخل حزبه غمار انتخابات 23 تشرين الأول 2011 ليحصل على المركز الرابع بحصوله على عشرين مقعدا، وليدخل في ما بعد في ائتلاف مع "حركة النهضة" الحائزة على غالبية المقاعد في المجلس التأسيسي (89) ومع حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي كان يتزعمه رئيس الجمهورية الحالي المنصف المرزوقي. وانتخب بن جعفر رئيسا للمجلس الوطني التأسيسي بعد حصوله على غالبية أصوات الأعضاء (156).
علّق بن جعفر أشغال المجلس بعد اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في 25 تموز الماضي لتنتفض ضده شريكته في الحكم ''حركة النهضة". كما دعم الحوار الوطني في تونس الذي أفضى إلى اختيار رئيس الحكومة التوافقي مهدي جمعة وعجّل في المصادقة على الدستور.
نص الحوار:
* كيف تقيمون تجربة صياغة الدستور وما مدى مساهمتكم فيه؟
نحن مؤمنون أن هذا العمل ساهمت فيه كل الأطراف بما فيها (حزب) التكتل وهو عمل تشاركي بامتياز، والتاريخ سيذكر حجم مشاركة التكتل ونحن لا ننكر حجم مساهمة بقية الأحزاب السياسية فيه، ولا يمكن أن ننسى دور المجتمع المدني. مقدار مساهمتي ومساهمة الحزب سيقيمه الخبراء والإعلام أيضا.
هذا الدستور مكسب لكل المواطنين لأننا نحن لم نكتبه في غرف مغلقة بين خبراء ونقدمه للمواطنين، كل التونسيين ساهموا في إعداد الدستور وهو أسمى ما يميزه.
* بعد إتمام هذه المهمة، ما هي أولويات المجلس التأسيسي في الفترة المقبلة؟
من أهم ما ينتظرنا المصادقة على القانون الانتخابي وكذلك الهيئة الوقتية (المؤقتة) لمراقبة دستورية القوانين (وهي الهيئة التي ستشرف على مراقبة مدى مطابقة القوانين للدستور)، ومتى يقع إرساؤها، قبل ام بعد القانون الانتخابي، كذلك علينا ان نسن قوانين العدالة الانتقالية والإعداد للمحطة الانتخابية المقبلة ونحن مطالبون بتحديد تاريخها بعد التشاور مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
* ننتقل إلى الحديث عن "حزب التكتل". فقَدَ هذا الحزب عددا كبيرا من المنتمين إليه، هل كان ذلك نتيجة لتحالفكم مع "حركة النهضة"؟
نحن لم نفقد عددا كبيرا، فقدنا نوابا ومناضلين من التكتل، بعضهم دخل التكتل عن انتهازية بحثا عن مآرب لكن عندما لم يجدوها غادروا نحو توجهات أخرى وهذا لا يجعل منهم مناضلين نتحسر عليهم، هناك مناضلون ومناضلات حقيقيون ـ في وقت نأمل أن يكون قد انتهى ـ لم يتفهموا الائتلاف والمشاركة مع حزب ذي مرجعية دينية (حركة النهضة) واعتبروه مخالفا لمبادئ الحزب وقيمه لكنهم تفهموا في ما بعد أن هذا الائتلاف خدم مصلحة البلاد وأظن أن عددا كبيرا منهم بصدد مراجعة موقفه.
* بالنتيجة، كيف تقيمون تجربة الدخول في ائتلاف مع "حركة النهضة"؟
نحن بصدد تقييم الائتلاف ولم ننه ذلك بعد، لكن من خلال نظرة موضوعية نستطيع أن نقول أن هذه التجربة سمحت لنا أن نتجاوز مرحلة من أصعب المراحل التاريخية في تونس، وبالمقارنة مع بلدان اشتراكية شرقية أو بلدان أميركا اللاتينية ومقارنة بالتجارب الموازية في دول الربيع العربي نستطيع القول إنّ النتائج كانت إيجابية جدا، أما تفاصيل التجربة والحديث عن التجاوزات والأخطاء فعلينا تقييمها برصانة وهدوء.
* وما هي ملامح هذا التقييم؟
ملامحه إيجابية خاصة بالنظر إلى نتائجها وتبعاتها. فقد صادقنا على الدستور، وبلادنا استطاعت الحفاظ على استقرارها ومقاومة سنتين من الإرهاب والانتقادات والاتهامات بالفشل وبالمستقبل الكارثي وعملنا في ظل وضع كان الجميع يتهمنا فيه بقيادة البلاد نحو الهاوية والإفلاس لكن النتيجة الملموسة ايجابية. وكل العالم يقول إننا حققنا نتائج ايجابية وهنأنا بالمصادقة على دستورنا وعلى تجاوز جزء من المرحلة الانتقالية بنجاح ولو كان عكس ذلك لشهدنا انتقادات حادة من الخارج.
* هل كان التكتل وفيا لأحد أهم دعائم حملته الانتخابية وهي تحقيق أهداف الثورة؟
تحقيق أهداف الثورة يتطلب تضافر جهود وكثيرا من الوقت خاصة في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، كنا دائما نقول قبل الثورة أن الإبقاء على النموذج التنموي والاقتصادي القديم سيؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها، هذا يتطلب برنامجا ومشروعا ونظاما مستقرا لا مؤقتا فلا يمكن لحكومة مؤقتة وفي فترة انتقالية أن تنجز الكثير خاصة مع ارتفاع المطلبية (المطالب). وهناك ظرف خارجي مهم وهو أنّ الثورة التونسية وقعت في وقت يمر فيه الشريك الأساسي لتونس بأزمة خانقة، نحن حين نتحدث عن الأزمة في تونس وضعف نسبة النمو فيها ننسى دوما أن شريكنا الاتحاد الأوروبي يمر بذات الحالة ما عدا دول قليلة فيه وهو ما انعكس سلبا على وضعنا الاقتصادي.
* هل ترون أن مهدي جمعة، رئيس الحكومة التوافقي، قادر على تنفيذ بنود خارطة الطريق وعلى رأسها مراجعة التسميات الإدارية (التي جرت في ظل حكومتي النهضة السابقتين)؟
بالطبع، لكن هذه العملية يجب أن تكون بكل عقلانية، نحن لم نقم بمراجعة كل التسميات التي وقعت في ظل الحكومات التي سبقت الترويكا (الائتلاف الحاكم)، ووفق ما بلغني فقد باشر رئيس الحكومة (مهدي جمعة) مراجعة التعيينات في المسؤوليات الكبرى مثل الولاة (المحافظون) التي قال أنه ستتم مراجعتها على أساس الكفاءة وهذا المطلوب مهما كانت الظروف ومهما كانت الحكومات، ونحن في التكتل طالبنا بالتسمية على أساس الكفاءة وليس الولاءات.
______
السفير
ليست هناك تعليقات:
Write comments