◄الشعب كفيل بتحصين ثورته - أجرت الحوار: خولة السليتي - بن عيسى الدمني هو أحد قيادات حركة الاتجاه الإسلامي سابقا، شغل حينها منصب عضو مكتب تنفيذي وكان أحد الأعضاء الخمسة في أوّل مكتب سياسي لحركة الاتجاه، لكنّه سرعان ما استقال بعد أحداث باب سويقة..
ورغم تأكيده على ارتباطه الأخلاقي بحركة النهضة فإنه يستبعد فكرة عودته اليوم إليها لعدّة أسباب كشف لنا عنها. شارك الدمني في المؤتمر الأخير لحركة النهضة ووجه لها رسالة من منطلق علاقته التاريخية بها، حدثنا عنها في الحوار التالي.
● كنتم عضوا بارزا مكلفا بالاتصالات في حركة الاتجاه الإسلامي سابقا، لكن سرعان ما قدّمتم استقالتكم من الحركة، فماهي الأسباب الرئيسية لذلك؟
- إنّ علاقتي بالحركة الإسلامية باتت تاريخية لكن أرى أن لدي واجب أخلاقي يربطني بالحركة ويتمثل في الإفادة الفكرية بالرأي والنصح والتنبيه إلى خطورة المنزلقات والدعوة إلى فضاءات جامعة يتمكن فيها الإسلاميون من التحاور حول ضرورة تجديد الفكر الإسلامي والاجتماعي وضرورة القبول بالتعددّ وضرورة حسن إدارة الاختلاف وإعداد تصور للعالم الإسلامي في إثراء المشهد الكوني، ومن هذا المنطلق أعتبر نفسي صلب الحركة الإسلامية وجزءا منها ومسؤولا عن مستقبلها وآفاقها
وفيما يتعلق بالجانب السياسي، لا أنكر أنّه حصلت عدّة منزلقات في التسعينات دفعتني ليس للاستقالة ولكن لتجميد عضويتي ، ودعوت الحركة إلى تقويم مسارها وعدم الاستمرار نحو منزلق المواجهة والتصادم، فلا مجال لإصلاح المستقبل دون استيعاب المسار التاريخي.
● هل ترون أنّ حركة النهضة استوعبت أخطاء الماضي واستفادت منها؟
- الحركة قامت بمحاولات تقويمية لكنها لم تكتمل ولم تكن بالعمق الكافي، وحركة النهضة قررت في مؤتمرها الأخير تخصيص مؤتمر استثنائي قادم لهذه العملية إضافة إلى ضرورة النظر في كيفية تصريف الفكر الثقافي الدعوي للحركة مع المشروع السياسي الذي يجب أن يكون متميزا تنظيميا على الأقل.
● في تصريح سابق لـ"الصباح الأسبوعي"، جيلبار نقاش قال "علينا أن لا ننسى أن حركة النهضة هي حركة دينية وليست حزبا سياسيا"، وغيره كثيرون من الذين يتبنون هذا الموقف، فماهو تعليقكم؟
- في الوقت الحالي هي مازالت جامعة بين الصفتين، وينبغي على الحركة التمييز بين المسار الثقافي الدعوي والمسار السياسي. فالمسار الثقافي يضع لنفسه جملة من الأهداف المتعلقة بتجديد الفكر الإسلامي والتثقيف الديني وتصور المشهد التعليمي والإصلاح الاجتماعي وهذا دور قادة الرأي أيضا في مجال العلوم الدينية والإنسانية ومن لهم قدرة الإفادة في هذا المجال. أما فيما يتعلّق بالفعل السياسي فهو حق مشروع للإسلاميين وغيرهم، وهو ينبغي أن يكون ضمن فضاءات حزبية لا تعمل بنفس الشخوص ولا بنفس الغايات ولا بنفس الخطب.
● لنعد للحديث عن أسباب استقالتكم، أنتم أكدتم على العلاقة الأخلاقية والسياسية للحركة وقلتم إنكم استقلتم بسبب عدّة منزلقات، هل أن تبني قيادات الحركة لأحداث باب سويقة من بين الأسباب التي دعتكم إلى الاستقالة؟
- نعم أحداث باب سويقة هي السبب المباشر لاستقالتي، ولكن هناك أسباب أخرى تمثلت في الوقوف على مسار النقد والتقويم وهي مهمة مازالت قائمة الذات إلى حدّ الآن.
● أنتم استقلتم من عضويتكم في حركة الاتجاه الإسلامي، ومع ذلك تمّت دعوتكم للمشاركة في المؤتمر الأخير لحركة النهضة، فكيف تلقّيتم هذه الدعوة وما الرسالة التي وجهتموها لحركة النهضة؟
- سررت بهذه الدعوة وقرّرت المشاركة في المؤتمر على اعتبار أن هذه المشاركة ستكون مناسبة لي للبعث برسالة لقيادة الحركة ، صحيح أني لم أشارك في المسار الانتخابي وأنا لا أنوي عرقلته ولكن أريد أن أنبه الحركة لعدم استغلال هذا المسار للهروب إلى الأمام وضرورة الوقوف على المهمة الأساسية المطلوبة في هذه المرحلة وفي مقدّمتها المهمة التقييمية ومهمة التصور الاستراتيجي المستقبلي حول العمل الإسلامي في البلاد وطبيعة العمل السياسي وعلاقته بالمسألة الثقافية الإسلامية، أنا أردت من خلال المشاركة أن أقدّم رسالة من منطلق أني لست في قلب المشهد لا حزبيا ولا حكوميا.
● وهل ترون الحركة أخذت بعين الاعتبار رسالتكم خاصة المتعلقة بعدم استغلال المسار الانتخابي للهروب إلى الأمام؟
- مادامت الحركة ملتزمة بعقد المؤتمر الاستثنائي فهي متجهة في المسار الحزبي، لكني أتخوّف من جمع الحركة بين المسار الحزبي والحكومي..فضلت لو ركزت الحركة عملها على إعداد الدستور الذي يؤسس لبناء جمهورية ثانية، كنت أتمنى أن يكون المسار الحكومي غير مترأس من حركة النهضة.. فقد كان بإمكانها أن تشارك فيه ضمن تشكيلة توافقية أشمل من التشكيلة الحالية.
● ولماذا فضّلتم ذلك؟
- حركة النهضة تحملت المسؤولية في مرحلة صعبة بها تركة ثقيلة ومطالبات بحقوق تنموية وتشغيلية كثيرة، كل هذه الأوضاع أدّت إلى جرأة الخطاب السياسي وصلت إلى حدّ تجاوز المقامات والتطاول على بعض من مقومات هيبة الدولة، وهذه مرحلة يصعب فيها إدارة الشأن العام.. ولكن بصورة عامة الحصيلة كانت إيجابية ولكن من حيث التفاصيل كان من الممكن أن يكون أداء الحركة أفضل بكثير من حيث التشغيل ومقاومة الفساد والسرعة في بسط الأمن وتطبيق القانون.
● ما تعليقكم حوا من يعتبر الجامعة الزيتونية "قُبرت" وأنه لا توجد أي فائدة من الشيوخ الزيتونيين؟
-هذا مشكل لا يمكن تناوله بعيدا عن المنظومة التعليمية التي تتطلب إصلاحا شاملا،فمن المفروض أن تدرج المسألة المتعلقة بالتعليم الديني ضمن المنظومة التعليمية ووضع رؤية إصلاحية له. أما بالنسبة إلى من اعتبر الجامعة الزيتونية قبرت، أقول إنّه أريد للثقافة الإسلامية أن تكون لها مرتبة دونية في مستوى المنظومة التعليمية ككل، ولكن على كل حال هذه الثقافة مازالت قائمة ومن المفروض أن يكون تصور مستقبلها في إطار إصلاح منظومة التعليم بتشريك الجميع، ولا بدّ من تشريك المختصين الزيتونيين في ذلك.
● في ظلّ التعدد الفكري والسياسي والأيديولوجي الذي تعيشه البلاد، هل يمكن القول إنّ تونس تعيش حالة صراع بين الأصالة والتغريب؟
- إذا ما بحثنا في الخطاب السياسي السائد، لن نجد اختلافا حول مبدإ الهوية العربية الإسلامية للبلاد، ربما وجدت في مناسبات عدّة تأويلات أيديولوجية مختلفة تراوح أطرافها بين المغالين في السلفية والمغالين في العلمانية، هذا موجود نعم ولكن مبدإ الإجماع حول الحفاظ على الهوية العربية موجود، وهنا يجب استخلاص الدرس من الثورة التي لم ترفع شعارات أيديولوجية بقدر ما رفعت شعارات اجتماعية.
● ألا ترون في هذا الإطار أننا حدنا اليوم عن مسار هذه الشعارات؟
- طبعا، هذا مؤكدّ لأنّ نخبنا بمختلف اتجاهاتها تقريبا لم تستفد من درس الثورة التونسية و الجيل الذي صنع الثورة هو جيل الشباب والفئات المهمشة، هؤلاء جميعا أنجزوا ثورة ضمن مرحلة ما بعد الأيديولوجي، والمشكل في النخب أنهم بقوا يتعاملون مع المكتسب الثوري بثقافة التجاذب الأيديولوجي.
● هناك من يقول إن بعض السياسيين تسببوا في المسّ من هيبة الدولة بسبب تدني خطابهم السياسي وأنهم أثبتوا في أكثر من مناسبة أنهم "هواة سياسة" وليسوا برجال دولة، فماهو رأيكم؟
- من الطبيعي أن يكون الخطاب السياسي متدنّ لأن أصحابه لم يستفيدوا من النموذج الثوري الذي وقع في سياق يتجاوز الصراع الأيديولوجي، لكن هناك تجاذبات جديدة برزت بعد الثورة وهي التجاذبات الحزبية على اعتبار أن المشهد الحزبي انفتح على فضاءات من الحرية والتعددّ في إطار أجندات حزبية وليس أجندات وطنية. من جهة أخرى، من المفروض أن يعمل رجل الدولة ضمن أجندة وطنية تقتضي الارتقاء بالخطاب من المستوى الأيديولوجي الحزبي إلى مستوى حضاري وطني، وطالما لم نحقق ذلك فإننا لن نكون حائزين على مواصفات رجل الدولة. وإذا ما طبقنا ذلك على واقعنا التونسي، فهو ينطبق عليه لأنّ أكثر السياسيين يتحركون ضمن هذا الفضاء الذي يحتاج إلى إصلاح جماعي، فالمرحلة الانتقالية تتطلب مشاركة جماعية وتوافقا أكثر مما تتطلبه من استعمال وسائل سلطوية أو قوة الشرعية الانتخابية.
● هذا يجرنا للحديث عن مشروع قانون تحصين الثورة، هل توافقون المصادقة على قانون تحصين الثورة؟
- شخصيا، أعتبر أن الثورة لها مسار تاريخي بدأته وستواصله، والشعب التونسي هو المسؤول عن مصير الثورة بمواصلته للمسيرة الثورية التي صنعها الشباب وعليه أن يميز بين من يراهم الأجدر لحماية مسار الثورة وذلك يكون في المناسبة الانتخابية القادمة، فالشعب هو الأجدر بتحصين ثورته من خلال صناديق الاقتراع، لكن قبل ذلك إذا وجد أشخاص تورطوا سابقا في الفساد واستبدوا الشعب التونسي، فإن القضاء يبقى فيصلا بين هؤلاء وخصومهم وبإمكان المسار القضائي ضمن العدالة الانتقالية أن يخفي أو يقصي هؤلاء بشكل قانوني.
● في جملة واحدة، ماذا تقولون عن:
● المنصف المرزوقي؟
- مازلت أحمل عليه صورة المناضل المفكّر المستقل
● راشد الغنوشي؟
- (يسكت ثمّ يتنهدّ) أرى فيه صورة العالم والمصلح الاجتماعي لا صورة السياسي
● الحبيب اللوز؟
- من الأفضل أن يتفرّغ للعمل الدعوي
● علي العريض؟
- أسأل الله أن يعينه على ما ابتلاه
● حمادي الجبالي؟
- اختار أخيرا أن يكون رجل دولة
● حمة الهمامي؟
- هو في حاجة إلى التحرّر مما كتبه تحت عنوان ضدّ الظلامية
● المرحوم شكري بلعيد؟
- رحمه الله، وتونس خسرت رجلا كشكري بلعيد
ليست هناك تعليقات:
Write comments