محمد بلوط
يوم قطري ـ سوري طويل تخللته تهديدات مالية وضغوطات سياسية لطي صفحة المجلس الوطني السوري، والبدء بصفحة «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية».
وخرج أحمد معاذ الخطيب، إمام المسجد الأموي في دمشق رئيساً للائتلاف، امس، وهو لا ينتمي لأي كتلة سياسية، وحل مصطفى الصباغ، وهو رجل اعمال سوري يقيم في السعودية، أميناً عاماً. واكتفى صاحب المبادرة، رياض سيف، بنيابة الرئاسة بالمشاركة مع المعارضة سهير الأتاسي.
ولم ينافس أي من المشاركين إمام المسجد الأموي السابق على رئاسة الائتلاف. ولكن خالد الناصر، احد المنشقين عن هيئة التنسيق وحنان البلخي، حاولا منافسة سيف والأتاسي من دون جدوى. وبدا الشيخ الخطيب زعيم العمل السوري المعارض الجديد، متواضعاً في الحديث عن تحجيم المجلس الوطني السوري، الذي فقد وحدانية التمثيل الشرعي للمعارضة، التي كان يدّعيها بولادة الائتلاف، بعد جهود أميركية ـ قطرية مضنية لإقناع المجلسيين بالانضمام إلى الائتلاف كأحد مكوناته الرئيسة.
وقال رئيس الائتلاف الجديد معاذ الخطيب، في اتصال هاتفي معه لـ«السفير، قبيل توجهه لإلقاء خطابه الأول أمام اجتماع الدوحة حول الائتلاف، إن «كل المكونات موجودة في الائتلاف الجديد وسنحافظ على بنيتها، ونحاول تطويرها لكي تحقق أهداف الثورة السورية».
ومن دون التهديد «بسلاح الدمار الشامل»، بحسب معارض سوري بارز، لم يكن «للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، أن يرى النور بعد أربعة أيام من المحاولات الأميركية والقطرية، ليقبل المجلس الوطني السوري بالتنازل عن مركزية موقعه في العمل المعارض، ويلتحق بالائتلاف الجديد. فقد اضطرت الديبلوماسية القطرية إلى التهديد بقطع المساعدات المالية عن المكونات السياسية السورية المشاركة في المجلس الوطني إذا ما فكرت بمعارضة المشروع الذي تقدم به ثنائياً المعارض السوري رياض سيف والسفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد.
وقال معارض سوري إن ثمن إطلاق المجلس الوطني النار على ساقيه ووقف مقاومة المبادرة السيفية ـ الفوردية، بعد اسبوع من إعادة الهيكلة والتوسيع، كان منها تهديد القطريين بعض المشاركين المتمسكين بتقدم المجلس على المبادرة، بتسريب ملفات المساعدات المالية التي قدمت إلى معارضين سوريين ومكونات اساسية في المجلس الوطني. وتلقى بعض من انتقدوا «مبادرة سيف – فورد» تهديدات قطرية خلال اجتماع دام حتى الثالثة من فجر أمس الأول، بالكشف عن ملفاتهم المالية إذا لم يكفوا عن انتقاداتهم.
وقال معارض سوري إن التصويت على الائتلاف وإيكال العمل السياسي إليه، كما نص احد بنود الاتفاق الإثني عشر، ينقل المعارضة السورية عملياً من كنف القطريين والأتراك إلى كنف الأميركيين مباشرة، وينهي مرحلة اوهام الحل السياسي عبر المجلس الوطني والحكومة الانتقالية التي كان ينوي تأليفها، إلى اوهام الحل العسكري. وقال المعارض السوري، الذي رفض الإستجابة لدعوة اميركية ـ فرنسية ـ قطرية للمشاركة في الدوحة، إن الأميركيين بدأوا فعلياً بتحقيق الغرض الأساسي من اجتماع الدوحة بصرف المجلس الوطني السوري من موقعه المحوري الذي فشل بالدفاع عنه، ومنع الإسلاميين من الوصول إلى السلطة في سوريا وقطع الطريق على صعود الجهاديين والجماعات السلفية. وأخفق الإخوان المسلمون في لعب دور الحاجز المانع للتمدد الجهادي و«القاعدي» في الشمال السوري وداخل العمل المسلح، ما عجل بإنضاج الموقف الأميركي بالاستغناء عن المجلس الوطني ودمجه «بالائتلاف الوطني» الجديد.
وحصل المعارضون للائتلاف على الضمانات التي تبقي على دور كبير للإخوان المسلمين في الائتلاف الجديد، وعلى توجهات قطاع واسع من المجلس الوطني، بالنص في البند الثالث من الاتفاق، الذي جرى التوقيع عليه مساءً، بعدم الدخول في أي مفاوضات مع النظام السوري بعد التعهد بالعمل على إسقاطه مع رموزه وأركانه كافة وتفكيك أجهزته الامنية. وحصل المجلسيون على حصة اكبر من المقرر في الائتلاف، برفع مقاعدهم من 20 إلى 22 من اصل 60 ائتلافياً، من الأرجح أن تعود بشكل واضح إلى أعضاء المكتب التنفيذي للمجلس الوطني وبعض أعضاء الأمانة العامة التي يهيمن على جزء واسع منهما الإسلاميون.
ويحصل الحراك الثوري والهيئة العليا للثورة السورية والمجالس المدنية على 15 مقعداً، كما يحصل العسكريون على 15 مقعداً. وقالت معارضة، من الدوحة لـ«السفير»، إن «المنبر الديموقراطي»، وهي الكتلة التي يقودها المعارض ميشال كيلو، الذي قاطع الاجتماعات رغم تأييده مبادرة سيف، قد ينضم إلى الائتلاف، كما ان مقاعد خصصت لأعضاء «هيئة التنسيق» إذا ما قرروا الانضمام، ولكن من المستبعد أن يقبلوا بذلك، بحسب تصريحات قيادييها.
ومن المستبعد أن يترأس سيف «الحكومة المؤقتة» التي سيعمل الائتلاف على تشكيلها، بسبب نص النظام الداخلي على عدم الجمع بين عضوية الائتلاف و«الحكومة المؤقتة». وحصل المجلسيون على تحويل الاعتراف الدولي إلى الائتلاف وليس إلى «الحكومة المؤقتة»، كما تمنى الغربيون، للإبقاء على توازن القوى قائماً لمصلحة مكونات المجلس الوطني والاستمرار في لعبه دوراً أساسياً يتقدم على حكومة يشكلها تكنوقراط. ومقابل الاستغناء عن مبادرتهم، التي لوحوا بها قبل أيام بتشكيل حكومة في الداخل السوري، وافق المجلسيون على «الحكومة المؤقتة» وتشكيلها بالتوافق شرط أن تنتقل إلى الداخل السوري، ورفع عدد أعضاء الحكومة من 8 إلى 10 بناءً على طلب المجلسيين للحفاظ على مكاسبهم.
ويواجه رعاة الائتلاف تحدياً كبيراً في الأيام المقبلة عندما يبدأ العمل على تشكيل «الحكومة المؤقتة» التي ستشكل احد الأثمان المطلوبة من أعضاء المجلس الوطني لطي صفحة مجلسهم. وقال معارض سوري إنه لن تكون هناك صعوبة كبيرة في تشكيل تلك الحكومة، خصوصاً بعد نجاح الأميركيين والقطريين في تشكيل الائتلاف، وأن الوسائل المالية والضغوطات السياسية نفسها التي استخدمت لتركيب الائتلاف ستتكرر في فرض التوافق على التكنوقراطيين المدعوين إلى حكم سوريا مؤقتاً من الشمال السوري.
ومن المنتظر أن تتسارع الأجندة الديبلوماسية الدولية حول الائتلاف السوري. ويشكل اجتماع طوكيو «لأصدقاء سوريا»، المزمع عقده قبل نهاية تشرين الثاني الحالي، المرحلة الثانية من الخطة الأميركية لفرض توحيد رؤية المعارضة وتشكيلاتها، وانتزاع اعتراف دولي بالائتلاف ممثلاً شرعياً للمعارضة السورية، وتضمينه إعلاناً دولياً يتيح للائتلاف تشكيل «حكومة مؤقتة» تتعاون معها جميع الدول المشاركة في اجتماع طوكيو.
وقال معارض سوري إن خطوة توحيد المعارضة المستجدة ستشكل ضربة للنظام السوري، ويجب منح الائتلاف مهلة شهر على الأقل لمعرفة ما إذا كانت ستتسبب بالمزيد من الانشقاقات في صفوف النظام. وتنتظر المعارضة أن يشكل الائتلاف والحكومة المؤقتة، منطلقاً لزخم سياسي لأنها تمنح المعركة الجارية ضد النظام السوري أفقاً سياسياً للمرة الأولى، وتعيد لملمة الدعم الدولي المفتقد منذ أشهر حول مشروع سياسي واضح.
لكن النقاشات، العلنية منها على الأقل، لم تؤد إلى إقناع الأميركيين بتقديم تعهدات برفع مستوى ووتيرة التسلح. وقال معارض سوري من الدوحة إن رهانات كثيرة ظهرت في التحول من المجلس إلى الائتلاف، على دفع الأميركيين والقطريين والسعوديين لرفع مستوى ونوعية الأسلحة المقدمة إلى المعارضين، موضحاً أن دخول حكومة مؤقتة على الأرض يفرض دعمها بعد الاعتراف الدولي بها، لتوجيه ضربات أقسى للجيش السوري في الأشهر المقبلة. ولكن المواقف من مسألة التسلح ستظل مرتبطة بعملية إعادة ترتيب وتنظيف البيت المعارض من «القاعدة والجهاديين»، ومن دونها لن تنال المجالس العسكرية المؤيدة للحكومة المؤقتة الأسلحة التي تريدها.
وقال معارض بارز إن فرضية البدء بتهميش وضرب «الجهاديين» اليوم غير واقعية، وإن الأميركيين سيقومون بتسليح المجموعات المعتدلة، وإن تصفية «الجهاديين» لن تبدأ إلا بعد سقوط النظام.
ويأتي اتفاق المعارضة السورية على الائتلاف قبل ساعات من اجتماع اللجنة الوزارية العربية الخاصة بسوريا، برئاسة قطر، في مقر الجامعة العربية في القاهرة اليوم.
في هذه الأثناء، تتواصل الاشتباكات الضارية بين المسلحين وقوات النظام من اجل السيطرة على مدن إستراتيجية، خصوصا قرب الحدود التركية، وأغار سلاح الجو السوري على مدينة البوكمال الحدودية قرب العراق، في حين سجل للمرة الأولى منذ العام 1973 إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي «طــــلقات تحذيرية»، بيـــنها صـــاروخ موجه مضاد للمدرعات، باتجاه الجانب السوري من الجولان المحتل، بعد سقــوط قـــذائف هـــاون على المنطقة المحتلة.
ليست هناك تعليقات:
Write comments