ابراهيم تيروز
يعجز المرء عن تقبل هذا الفشل الذريع الذي منيت به حكومة بن كيران في انقاذ شهادة الباكالوريا المغربية، مما بات يطالها اليوم من شبهات التسيب. تسيب شرعت ابوابه فتوحات الهاتف "النقال" أو الغشاش بصريح العبارة، ودعمتها ارض الفيس بوك الافتراضية "الحرة". يعجزعن ذلك مهما كان متعاطفا مع رئيس هذه الحكومة و مع فريقه فيها، و الذين أظهروا قدرا غير يسير من حسن النية و صدق الارادة في تحريك عجلات هذا الوطن نحو دروب اللاستصلاح و التغيير، دونما تهديد استقراره و توازناته الاستراتيجية. لقد استبشرنا خيرا عندما اعلنت الوزارة الوصية على قطاع التعليم المدرسي عزمها على اتخاذ اجراءات حاسمة في اتجاه تحصين هذه الشهادة من تآكل قيمتها المتوالي. تآكل متسارع يحدث جراء نزيف الغش الذي اصبح اقرب الى الحق الذي يمكن التمتع به جهارا نهارا. غير ان الوزارة اكتفت بالتهديد والوعيد على ظهر ملصقات خصصتها لهذا الغرض اشعارا و انذارا لمن تسول له نفسه اتيان الجرم المحظور. و ليتها التزمت بتنفيذ وعيدها وتهديدها، بل تراجع "الوفا" سريعا عن الوفاء بما توعد به من لجوء الى المتابعة القانونية في حق منتهكي حرمات امتحانات الباكالوريا من التلاميذ و اكتفى باتخاذ اجراءات تربوية ....
لا زالت الوزارة اذن لم تقطع مع ممارستها المرتكزة على حسن النيات و المكتفية بها، و لم تقطع مع الفعل الذي يعول على الروح التطوعية وحدها، ولم تدشن في المقابل مسارا حقيقيا في اتجاه مأسسة فعلها. اذ ما الفرق بين ملصقاتها و معلقات شعراء الجاهلية؟؟؟ لا فرق سوى ان الثانية على الاقل متناسبة مع عصرها، وان الاولى خلت من البلاغة المؤثرة حقيقة، ناهيك عن ان يخلدها التاريخ. نعم يمكن اعتبار كل ما قامت به الوزارة في هذا الاتجاه وللاسف مجرد بلاغة رديئة ، و هذا في الوقت الذي كان عليها ان تبني نظاما جديدا للامتحانات تتكامل اجراءاته في اتجاه القضاء الحاسم على آفة الغش التي خربت تعليمنا افظع تخريب، بتحالفها مع تفشي العنف الموجه للاساتذة ومع انتشار المخدرات و الاكتظاظ تحالفا تتعاظم يوميا عقبات الفكاك و الخلاص منه.
ومما يثير الذهول ان الوزير مثلما يظهر في حوار قامت به احدى قنوات المذياع (راديو هيت ان لم تخني الذاكرة) قد قال بشأن هذه المأساة بأن المصححين سيقارنون الاجوبة المسربة على الفيس بوك باجوبة التلاميذ, و عندما اعترض المحاور بان هذا سينجح مع المواد الادبية ولن يكون كذلك مع المواد العلمية, اصر الوزير على ان ال "بروسيسيس" المتبع في تسريب الفيس بوك يمكن تمييزه. في حين يعلم جميع المتعلمين ان طرق بلوغ الحل في المسائل العلمية و بالاخص في الرياضيات و الفيزياء، في الغالب واحدة، ولا تتعدد الا نادرا، وان تعددت فلا تعدو بضعة طرق محصورة ومعروفة. وعلى العموم يكتشف الغش في هذه المواد لا بتطابق الاجوبة الصحيحة ولكن بتطابق الاخطاء. لكن في حالتنا هذه عادة ما تكون الاجوبة مقترحة من اساتذة مختصين في المادة.. و كاني هنا بالوزير يريد ان يغش هو نفسه في الجواب لولا اني احسن به الظن...
الم يكن جديرا بالحكومة الحالية ان تعمل على تزويد المؤسسسات بأجهزة حجب شبكات الاتصال؟؟؟ قد يقول قائل سيحتاج الامر الى ميزانية ضخمة لتغطية جميع مؤسسات البلاد. لايقول هذا الا من يفكر في جر الدولة الى صفقة تستفيد منها جيوب الفساد قبل ان يتعافى بها نظامنا التعليمي من هذه الآفة، في حين ان من الممكن جدا ان يخصص فقط نصف الرسوم التي يؤديها التلاميذ في بداية كل سنة لحل هذا المشكل نهائيا ... و لماذا بالاحرى لم تفكر الدولة في تحميل شركات الاتصال التي تربح الملايير في بلادنا جزءا من المسؤولية, اليس هذا الضرر ناجم اساسا - وان على نحو جانبي- عن استثماراتها... اين هي جمعيات حماية المستهلك من التفكير في مقاضاة هذه الشركات، لالزامها بتحمل تبعات الاضرار الناجمة عن استثماراتها، او على الاقل لحثها على التعاون في هذا الاطار.
و من الامور التي تزيد الطين بلة هو ان الاساتذة يحرسون تلاميذهم في امتحان نهائي و حاسم في مشوار هؤلاء الدراسي. فلماذا لا تعمل الوزارة على تبادل الاساتذة بين المؤسسات اثناء الامتحانات؟ و لماذا لا يتم تعديد صيغ الامتحان لتكون بعدد التلاميذ في القاعة ؟ اليس من الجدير امام الشر الاكبر ان يجوز تحمل اعباء اضافية؟ و لماذا لا يتم التفكير ايضا في توزيع التلاميذ على مؤسسات أخرى مخالفة لمؤسستهم الاصلية اثناء الامتحانات؟ و لماذا من جانب آخر لم تلزم الوزارة جميع المترشحين ذكورا واناثا بالكشف الكامل والكافي عن الأذنين، وفسحت المجال امام المحجبات ايام الامتحان و امام منكوشي الشعر للظفر بتوبة مقبولة من شيطان الغش الاكبر.
يحار حقيقة المرء في تفسير هذا التراخي الذي ابدته هذه الحكومة ازاء هذه الآفة البغيضة التي باتت قلوبنا تحترق لاخبار شيوعها و فداحته. حتى بدا ان كل تصريحات الوزير المعني لم تعد ان تكون مجرد جعجعة بدون طحين، و مجرد سبب جديد لمزيد من جرعات اليأس التي تساهم ولاشك في مفاقمة المعضلة. خاصة و ان الأمر عينه اصبحت انباؤه تزكم الانوف، فيما يتعلق بالامتحانات الجامعية و الادهى الامتحانات المهنية التي تخص رجال التعليم نفسها. قد يقول قائل اننا هنا انما نعتمد على مايشاع من أخبار و يتداول من اقاويل، و سأخادع القارئ اذا قلت له ان الامر هو على خلاف ذلك. لكن لن يخالفني مطلقا اذا ذكرت السيد بنكيران بان "المال السائب يحرض اللصوص" و المعضلة الكبرى هي ان اصحاب هذه الشهادات المغشوشة لن يكتفوا بها، بل ستكون وسيلتهم لسرقة مستقبل المغرب برمته: فمنهم سيكون الاطباء والاساتذة والمحامون والعمال والموظفون... و من تحت ايديهم سنتوصل بحقوقنا في الخدمات المختلفة...
لنا ان نعتبر في الختام ماقامت به الوزارة هذه السنة، تمهيدا وتهييئا للاجواء نحو معركة حاسمة ستخوضها الوزارة و شبيهاتها مع آفة الغش فيما سيأتي من ايام. و سنتمنى لها كل التوفيق، فعسى ان لا تكون امانينا هذه مجرد سلوى مؤقتة..
ليست هناك تعليقات:
Write comments