عبدالسلام بنعيسي
سعود الفيصلللأنترنت فوائد لا تعد ولا تحصى. إحدى أهم فوائدها الاطلاع على مقالات كبار كتاب الصحافة الخليجية لحظة نشرها للوقوف توا على حالة مزاج الأسر الحاكمة في هذه المنطقة من عالمنا العربي، وعلى نفسيتها الراهنة. إنها فعلا حالة متكدرة ونفسية مأزومة جدا هذه الأيام.
شعور بالغضب والقنوط والإحباط يكاد يصعد من بين سطور مقالات كتابها ليلفح القارئ في وجهه جراء المبادرة الروسية التي تجاوبت معها الدولة السورية والقاضية بتخلي دمشق عن سلاحها الكيماوي، وتجميد واشنطن قرارها الذي كانت قد أعلنت عنه والذي بموجبه كانت الإدارة الأمريكية تعتزم شن حرب على سورية.
يبدو واضحا أن شعورا بالخدلان من طرف الأمريكيين ينتاب المسؤوليين الخليجيين. لقد تولد لديهم الانطباع، بل اليقين، بأن أمريكا ماضية إلى الحرب، وأنها ستشن هجوما شرسا وكاسحا على النظام السوري، وأن ذلك سيؤدي إلى إسقاط بشار الأسد، وسيقع التخلص من النفوذ الإيراني في بلاد الشام، وسترتاح الدول الخليجية نهائيا من الصداع الذي يسببه لها حزب الله في لبنان، لأنه يزعج بسلاحه إسرائيل، ويحول دونها وتحويل لبنان إلى دولة خاضعة كليا للنفوذ السعودي.
غير أن الرياح جرت بما لم تشتهيه السفن الخليجية. أمريكا تفاهمت مع روسيا، وتم الاتفاق على الاشتغال معا من أجل نزع السلاح الكيماوي السوري، وتأجلت الضربة، إن لم تكن قد ألغيت بشكل نهائي، وتم ذلك حتى دون إشعار المسئولين الخليجيين بالصفقة، إذ يبدو أنهم علموا بالأمر عبر وسائل الإعلام فقط مثل كل الناس، بخلاف الإيرانيين الذي يرجح أنهم كانوا مواكبين لما يتم طبخه، فجاء القنوط والإحباط والاكتئاب وسيطر على نفوس حكام الخليج الذين كانوا قد فركوا أيديهم فرحا بالضربة القادمة وشرعوا في تبادل التهاني بإسقاط بشار الأسد حتى قبل أن يتم إسقاطه.
فبقدر ما كان الرهان كبيرا جدا على أن بشار الأسد قد انتهى وتم القضاء عليه حين تجمعت الأساطيل الحربية الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط من أجل شن الهجوم على سورية، بقدر ما كانت خيبة الدول الخليجية كبيرة وعظمى، لأن ما كانت تتوقعه وتنتظره على أحر من الجمر، لم يتحقق ووقع التراجع عنه، من غير استشارة الخليجيين والأخذ برأيهم، رغم ما ضخوه من أموال طائلة للوصول إلى هذه الغاية.
ولعل مرد الإحباط الخليجي يعود إلى وهم سائد لدى حكام هذه المنطقة. إنهم يتصورون أنهم بأموالهم الطائلة قادرون على التحكم في الإدراة الأمريكية، وفي صنع القرار العالمي، وتوظيف البيت الأبيض وتشغيله طبقا للمخططات التي يرسمونها له بينهم في اجتماعات مجلس التعاون الخليجي، وأن أوامرهم سينفذها لهم الأمريكان، خصوصا المتعلقة بالأزمة السورية، ما دامت أوامر لا تتعارض مع المصلحة الإسرائيلية العليا والأمن القومي للدولة العبرية.
بسبب الرضوخ الخليجي للأوامر الأمريكية يتصور الخليجيون أن الأمريكان أصبحوا في جيوبهم، وأن ضرب سورية سيتم كرمى لعيونهم، بصرف النظر عن أي قراءة سياسية أمريكية خالصة للوضع الإقليمي.
ربما كان يتهيأ لبعض الشيوخ في منطقتنا أن تأثيرهم في قبائلهم وعشائرهم، وما يسمى بدولهم، المستمد من وجاهة الشيخ، ورئيس القبيلة الذي لا ترد له كلمة، وتنفذ كل رغباته وأوامره، تزلفا وخوفا وطمعا، والذي يتم، نظرا لكبر سنه، الاستحياء منه واستئذانه قبل القيام بكل كبيرة وصغيرة، هذا التأثير يمتد ليكون له نفس الوقع في العواصم العالمية الكبرى، بحيث ما يريده شيخنا من أوباما، أو بوتين، أو كاميرون، أو هولاند، سينفذ في الحال، نزولا عند مكانته وأبهته وهالته الحاضرة بقوة في محيطه.
هذا التصور الذي للشيخ على نفسه، والتأثير المفترض الذي لديه على غيره من حكام البيت الأبيض والكرملين والإليزي، بينت الأزمة السورية أنه مجرد وهم وخرافة في ذهن صاحبها. لقد تم اتخاذ قرار تأجيل الضربة العسكرية من طرف القوتان العظميتان ، أي من جانب واشنطن وموسكو، لاعتبارات تخص كل واحدة منهما، وتم فرض القرار على الجميع، أحب من أحب أو كره من كره.
وتأسيسا عليه، يتعين على حضرة الشيخ الموقر أن ينزل من صهوة غروره، وأن يتواضع ويدرك حجمه الحقيقي في لعبة الصراعات الدولية والإقليمية العظمى. فالقرار على هذا المستوى، سواء لجهة الحرب أو السلم، لا يتخذه ويحسم فيه إلا من له الجيوش القوية والعتاد العسكري المتطور والاقتصاد المسيطر.
ريع النفط والغازلا يوفر الشروط المطلوبة للدخول إلى نادي الكبار والمساهمة معهم في تحديد مصير العالم. قد يكون لصاحب المال بعض الإسهام في هذا الاتجاه أو ذاك، ولكنه إسهام يظل ضئيلا، ولا يكون حاضرا بحسم في ساعة اتخاذ القرار النهائي. أما وجاهة الشيخ فإنها معدومة التأثير بتاتا في هذا السياق.
من هنا جاء الغضب والإحباط والذهول والاكتئاب من جانب حكام الخليج نتيجة لعدم شن أمريكا حربا على سورية. لقد وقف الشيخ على حجمه الحقيقي قياسا بأحجام عمالقة العالم والمديرين لشؤونه.
ليست هناك تعليقات:
Write comments