تسلمت الحكومة التونسية الجديدة الخميس رسميا مقاليد السلطة بالتزامن مع جنازة بائع متجول احرق نفسه قبل يومين في قلب العاصمة تونس في حادثة اعادت الى الاذهان انتحار البائع المتجول محمد البوعزيزي مفجر "الثورة" التي اطاحت مطلع 2011 بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وتسلم علي العريض القيادي في حركة النهضة الاسلامية ورئيس الحكومة الجديدة مقاليد السلطة من رئيس الحكومة المستقيل حمادي الجبالي، الامين العام لحركة النهضة.
وقال الجبالي خلال تسليم السلطة "بدأنا نرسي تجربة جديدة في التداول على السلطة وتسليمها لاهلها بطريقة متحضرة، ولهذا معنى كبير".
واضاف "الاشخاص في انسحاب أو زوال، والدولة قائمة ودائمة".
واعرب مازحا عن "اشفاقه" على علي العريض الذي سيراس الحكومة لفترة "قصيرة ومليئة بالتحديات" لكنه اكد "ثقته" في قدرة العريض على النجاح.
وانتقد الجبالي "المنظرين لفشل" حكومة علي العريض قبل شروعها في العمل. وقال "سوف يحكم التاريخ على هذه الحكومة وعلى نتائجها".
ولفت الى ان من "ينظر لفشل هذه الحكومة (..) يراهن على فشل التجرية" الديمقراطية الوليدة في تونس.
ومضى يقول ان حكومته التي استقالت يوم 19 شباط/فبراير الماضي "لم تفشل" مثلما تقول المعارضة، مذكرا بانها حققت نموا اقتصاديا بنسبة 3,6 بالمائة سنة 2012 مقابل انكماش اقتصادي بحوالي 2 بالمائة سنة 2011.
وتابع "آمل ان تكون الانتخابات (العامة) سريعة (..) وأنا متأكد ان علي العريض سيسلم مقاليد الحكم الى حكومة منتخبة".
من ناحيته قال علي العريض "كنا ومازلنا وآمل ان نبقى نناضل لا لدنيا نصيبها ولا لمراكز نتقلدها (..) حلمنا ان يكون لنا دور في حمل هموم الامة والشعب".
واضاف "التنمية الاقتصادية والرفاه (الاجتماعي) والتقدم العلمي والتكنولوجي (..) هذه طموحاتنا".
ورحبت باريس بتشكيل الحكومة التونسية وهنأت رئيس الوزراء والوزراء وتمنت لهم النجاح في "المهمة الكبيرة التي تنتظرهم"، كما قال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية.
وقال فانسين فلورياني ان "فرنسا ستواصل التعاون مع الحكومة التونسية وهي تؤكد تاييدها التام لتونس من اجل انجاز المرحلة الانتقالية وخصوصا عبر تبني الدستور الجديد وتنظيم انتخابات في احترام للقيم العالمية التي الهمت الثورة".
وتعيش تونس ازمة سياسية واجتماعية واقتصادية خانقة اججها اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد الذي قتل بالرصاص امام منزله في العاصمة تونس يوم 6 شباط/فبراير الماضي.
وكان الجبالي استقال من رئاسة الحكومة احتجاجا على رفض حركة النهضة مقترحه تشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية لاخراج البلاد من الازمة.
وتضم حكومة علي العريض ممثلين عن الائتلاف الحكومي الثلاثي الذي تشكل أول مرة بعد انتخابات 23 تشرين الاول/أكتوبر 2011، بالاضافة الى مستقلين اسندت اليهم وزارات السيادة.
ويتكون الائتلاف الحكومي من احزاب النهضة الاسلامية وحزبي "التكتل" و"المؤتمر" شريكاها العلمانيان في الحكم.
وفي قرية سوق الجمعة من ولاية جندوبة (شمال غرب) تحولت جنازة البائع المتجول عادل الخزري (27 عاما) الى تظاهرة شارك فيها مئات الاشخاص.
وقالت مراسلة فرانس برس ان حوالى 400 شخص من المشاركين في الجنازة تجمعوا امام منزل عائلة الشاب ورددوا هتافات معادية لحركة النهضة الاسلامية الحاكمة من بينها "خبز وماء والنهضة لا".
كما رفعوا لافتات كتبوا عليها باللغة الفرنسية شعارات تطالب راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ب"الرحيل".
وردد المتظاهرون هتافات اخرى مثل "يا حكومة عار..عار..عادل احرق نفسه بالنار" و"بالروح.. بالدم..نفديك يا شهيد" و"يا حكومة اعتني بنا والا فالجزائر (المجاورة) اولى بنا" و"تعيش الجزائر".
وتقع ولاية جندوبة على الحدود مع الجزائر (غرب).
واحيانا يدخل سكان المناطق التونسية الحدودية مع الجزائر الى الاراضي الجزائرية عنوة للاحتجاج رمزيا على اهمال السلطات التونسية لهم.
ويعيش سكان هذه المناطق من تهريب المحروقات والسلع بين تونس والجزائر.
ووري جثمان الخزري الثرى وسط نحيب اقاربه وجيرانه.
وبعد انتهاء الجنازة توجه عشرات الشبان على متن سيارات الى مركز ولاية جندوبة وتظاهروا أمام مقر الولاية احتجاجا على ارتفاع نسب الفقر والبطالة في منطقتهم.
وردد المتظاهرون شعارات معادية للحكومة ولحركة النهضة والوالي والبرلمان واقتحموا ساحة الولاية بعد خلع بابها امام انظار الجيش الذي لم يتدخل وظل يحرس مكاتب الولاية.
ونددوا بعدم مشاركة اي مسؤول رسمي في جنازة عادل الخزري الذي احرق نفسه الثلاثاء في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة تونس في حادثة هي الاولى من نوعها بهذا الشارع الذي يعتبرا رمزا للثورة التونسية.
وتعاني تونس من تواصل ارتفاع معدلات البطالة (7،16 %) والفقر (5،15%) اللذين كانا السبب الرئيسي في الثورة على نظام بن علي.
وفي 2012 حذرت "المجموعة الدولية للأزمات" (منظمة دولية غير حكومية) من ان المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي كانت السبب الرئيسي في اندلاع الثورة التونسية كارتفاع معدلات البطالة، والتفاوت الصارخ بين مختلف مناطق البلاد، والتهريب والفساد لا تزال "دون حل ويمكن أن تؤدي إلى تأجج الأحداث من جديد".
ليست هناك تعليقات:
Write comments