الحرب الطويلة في سورية سيناريو يثير الخوف، فالاسد ونظامه الذي لا يزال قويا على الرغم من الضربات التي تلقاها لديه خيار جر البلاد الى حرب اهلية طويلة على الطريقة اللبنانية، وفي حلب يشهد روبرت فيسك المواجهات على الخطوط الامامية. وعلى الجانب الامريكي انتقادات للرئيس الامريكي باراك اوباما حول تهديداته لسورية، خاصة ان الخيارات المحدودة امام اوباما تحد من قدرته على التدخل في الحرب الدائرة هناك.
الحرب الطويلة
ترى صحيفة ‘الغارديان’ في افتتاحيتها ان فرص تشكيل حكومة ملتزمة بتحقيق المصالحة الوطنية والانتخابات الحرة والاعمار على انقاض النظام السوري قليلة لسبب بسيط وهو ان سورية بلد يحفل بالتناقضات والحروب الداخلية وتصفية الحسابات الناتجة عن تنوع واختلاف الاعراق والاديان. وتذكر بروسيا التي تخوض حروبا في القوقاز منذ قرون ولم تنجح حتى الآن بالاعلان عن نهاية المهمة التي بدأها القياصرة ثم البلاشفة والآن روسيا بوتين ومدفيديف.
وترى الصحيفة ان ما يدعوها للمقارنة عدد من العوامل على الارض منها الوضع على الارض خاصة حلب، حيث ينظر للمعركة الدائرة فيها على انها مفتاح لحرف ميزان القوة، لصالح المعارضة، وهو امر صعب التحقيق من الناحية العملية، فالجيش السوري يسيطر على الجانب الغربي من المدينة، فيما يتحصن مقاتلو الجيش الحر في شرقها، ولم ينشر الجيش السوري قوات ارضية ومدفعيات الا على جبهة واحدة وهي حي صلاح الدين، ويظهر انه متردد في نشر قوات اخرى مفضلا الاعتماد على القوات الجوية والقصف المدفعي.
وتتساءل الصحيفة عن سبب هذا التردد الذي يعزوه البعض من الناحية النظرية الى خوف النظام من عمليات الانشقاق، مع ان جيشا مسلحا وجاهزا ليس من الصعب عليه هزيمة ما يقرب من اربعة الاف مقاتل متحصنين في شرق المدينة. وبنفس الوقت فقد فشل المقاتلون حسم المعركة لصالحهم وكسب قلوب الحلبيين، لانهم لا يريدون الثوار الذين لا ينظر اليهم كمحررين بل كمقدمة لمعاناة ستحل عليهم. وتقول ان الجيش الحر مسلح بعتاد فقير ومن السهل تحديد مواقعه وبالتالي ضربه بالطائرات والقنابل الكبيرة التي يلقيها على الاماكن المدنية التي يتحصن فيها المقاتلون.
وقد نجحت استراتيجية النظام بتأليب السكان على الجيش الحر الذين لاموه على معاناتهم وانه السبب الذي ادى الى الرد القاسي من النظام. ويعترف المقاتلون انهم يواجهون مشكلة تعاطف مع السكان خاصة ان معظهم جاء من القرى المحيطة بالمدينة اضافة الى جهاديين دوليين.
خيار لبنان
وتقول ان وقت التظاهر السلمي قد مضى الا ان هناك من لا يزال يتمسك بهذا الامل، كل هذا يعني ان طريق الثورة المسلحة طويل ومر. فعلى الرغم من انشقاق عدد من الرموز والجنرالات المهمين في النظام ومقتل كبار قادة اركانه. فالجيش السوري لا يزال متماسكا ولديه ولنظامه خيارات كثيرة ومنها تحويل سورية الى لبنان. وتشير الى التطورات على الجبهة التركية، فانسحاب الجيش السوري من قرى كردية ودعوته لحزب العمال الكردستاني لادارتها والتفجير الذي طال مركز شرطة في جنوب – شرق تركيا، التي اتهمت فيها انقرة الـ ‘بي كي كي’ والمخابرات السورية، فالاسد يحاول جهده استفزاز توغل تركي في داخل الاراضي السورية، ويضاف الى انتقال العدوى الى شمال لبنان واندلاع اشتباكات بين العلويين والسنة في مدينة طرابلس، مما يعني ان منظور زرع الفوضى في المنطقة كبير، وهذا قبل ان يتم نشر قوات الحرس الجمهوري او مقاتلي حزب الله الحلفاء الاقوياء للاسد. وتذكر في النهاية ان من الاقليات التي تشعر بالخوف الشراكسة الذين طردهم الروس من مناطق شمال القوقاز في القرن التاسع عشر.
محررة ولكنها مهجورة
تحت عنوان ‘لا قوة بامكانها اسقاط النظام السوري’ يكتب روبرت فيسك ولليوم الثاني من مدينة حلب. ويكتب عن جولة له في سيارة مع سائق في منطقة الباز التي ‘حررها’الجيش والتي لم يشاهد فيها اي مقاتل اجنبي او سوري، ولم ير فيها اي جنود ولا اي ساكن سوى مناطق فارغة جاء اليها الجيش وخرج وتحولت بيوتها الى انقاض ومن لم يقع منها حمل اثار القنابل، اضافة الى بقايا نار مشتعلة في اكوام من القمامة، ‘من اشعل النار فيها؟’. ويضيف انهم تجولوا في الشوارع المهجورة ومروا الى جانب مركز الشرطة الذي لا تزال صورة الاسد الكبيرة في محلها، مع ان شبابيكها تحمل اثار الحريق، والمركز مهجور. وخلال جولته التي امتدت على اكثر من ميل لم يشاهد الا طفلا وامه الي تحمل اخر، بين الانقاض. وبعد ذلك يستمع فيسك الى احد الضباط الذي قال له ‘لقد طهرنا هذه الشوارع’، حسنا يمكنك ذلك ولديك دبابات تي ـ 72 وحاملات الجنود بي ام بي. ويقول ان الجنود وصفوا له المعارك التي شاركوا فيها في حماة وحمص وادلب ودرعا، وفي حلب ارسل الاسد جنوده المتمرسين على القتال، مع ان الجنرال يؤكد ان مقاتليه ليسوا من الفرقة الرابعة سيئة السمعة التي يقودها ماهر، شقيق بشار. وعن حصيلة المعارك بين الجيش والمقاتلين، يقول وهي احصاءات حكومية ان عدد المقاتلين الذين قتلهم الجيش هو 700 اضافة لعدد كبير من الجرحى، ومن الجيش 20 قتيلا و 100 جريح.
لن يسقط النظام
ويقول فيسك ان الجيش الحر ليس بامكانه حصار حلب لكن لديه القدرة على عزلها. ويصور فيسك معركة القط والفأر حيث يطلق المقاتلون النار ثم يهربون، وعندما سأل احد الجنود طالبا رأيه فيما قاله وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا ان حلب ستكون ‘المسمار الاخير في نعش النظام’ فكانت اجابته كالآتي ‘ سيظل النظام للابد، ولا قوة في الارض قادرة على اسقاطه، كل الانظمة ستسقط الا سورية فانها ستبقى، لان الله يقف مع الذين هم على الحق’. ويضيف ان الجيش مثل المدنيين يدفع ثمنا في هذه الحرب المريعة فثلاثة من اربعة جنرالات الذين التقاهم في حلب تعرضوا للاصابة اثناء الحرب الدائرة منذ 18 شهرا. ومع ان غرفة القيادة المؤقتة تحتوي على اجهزة تلفاز يظهر عليها قناة ‘العربية’ و ‘بي بي سي’ الا ان الجنود يتلقون يوميا محاضرات عن وضع الحرب، وكل محاضرة تبدأ بالخط الرسمي وهو ان الجيش يدافع عن البلاد ضد عدوان ومؤامرة دولية تستهدف سورية لانها الدولة العربية الوحيدة التي تقف امام اسرائيل. كما ان الدول الاجنبية دعمت المتظاهرين ثم اعطتهم الاسلحة، ولا يوجد اي اعتراف من ان النظام وممارساته القمعية هي التي دفعت المتظاهرين للتسلح، ولا يقدم الجيش اية معلومات عن السبب الذي دفع المقاتلين للاعتماد على المقاتلين الاجانب. ومثلما يتحدث المقاتلون عن فظائع النظام فلدى الجنود قصصهم حيث يخبره مجند ان شقيقه ‘استشهد’ عندما اصابته طلقة قناص، واخبره جنرال عن صديق كان في طريقه لبيته ثم اوقفته سيارة وعرضت عليه ان توصله، في اليوم التالي ‘عثرنا عليه مفصولا الى قطعتين ومرميا في مياه المجاري’.
المقاتلون والمدنيون
وفي تقرير كتبه مارتن شولوف من حلب قال فه ان المعارضة تقول ان 70 بالمئة من المدينة تقع تحت سيطرة النظام. وقال ان المقاتلين الذين سيطروا على معظم اجزاء المدينة لا يزالون يحتاجون لدعم اهلها الكامل، فمقاتلو الجيش الحر البالغ عددهم ما يقرب من 3 الاف هم الوحيدون الذين يسيرون في الجزء الشرقي من المدينة ومن تبقى من المدنيين فيه لا يلقون بالا اليهم مما يعني ان الجيش الحر يلقى تعاطفا قليلا من الاهالي.
ونقل عن توفيق ابو سليمان احد قادة الجيش الحر قوله ‘صحيح’ ان الدعم قليل، فالوضع دائما كان ان النظام يسيطر على 70 بالمئة من حلب ولكنه غير متواجد في ريفها. واضاف ‘نقول اننا سنظل متواجدين هنا حتى نسقط النظام، مهما طال الامد، وبعد ذلك سنخرج منها ونتركها لهم لاعادة اعمارها’.
وقال انه زار في العيد مسجدا واكد لمن تبقى من السكان ان المقاتلين يتفهمون معاناتهم وانهم عارفون باحتياجاتهم وعندما ننتهي من حلب فانها ‘لهم’. وجاء في التقرير ان اجواء الفرحة غابت عن المنطقة الشرقية من المدينة، حيث يتواجد المقاتلون، وظلت المحلات مغلقة والشوارع خالية من المارة. وينقل الصحافي مواقف المدنيين الذين يرفضون الحديث ويستمعون للمقاتلين بدون اي اهتمام حيث يغادر من يرى ان الوضع ولا يحملون معهم الا ما يحتاجونه من اشياء فيما لم يستطع عجوز كان في طريقه للمسجد تحديد من افضل المقاتلين ام النظام حيث قال انهم كلهم ابناؤه. واشار الصحافي ان الايام الاخيرة شهدت وصول عدد من المقاتلين من الدول الاسلامية فقد شاهد مراسلها سعوديا وباكستانيا وجزائريا وسنغاليا كانوا ينتظرون عند منطقة انطلاق قرب منطقة سيف الدولة.
خيارات امريكا
في السياق الامريكي وعلاقته بالمسألة السورية، لاحظت تحليلات هناك ان خيارات ادارة اوباما تظل محدودة على الرغم من تحذيراته التهديدية حول الترسانة الكيماوية السورية، ذلك ان اي تدخل لن يساهم الا في زيادة الاوضاع سوءا. ويقول مسؤولون امريكيون ان اية عملية عسكرية لن تؤدي الا لجلب راعيي النظام السوري روسيا وايران وبشكل اعمق للازمة اكثر من مشاركتهما الحالية، وستعطي امريكا، الاسد المبرر كي يقوم بتحشيد الدعم له كما انها ستعطي القاعدة العدو الجديد مبررات جديدة، خاصة انها اقامت خلايا في سورية.
وفي هذا السياق جاءت تصريحات قدري جميل نائب رئيس الوزراء بعد اجتماعه مع سيرغي لافروف ان اي تدخل خارجي يعني مواجهة ابعد من حدود سورية. وعلى الرغم من كل هذا فان هناك حدودا للصبر الامريكي، وان ما يدفعها للتدخل هو تهديد لمصالحها وقيمها اضافة لوقوع الاسلحة الكيماوية في ايدي اطراف معادية لها.
ونقلت ‘نيويورك تايمز’ عن مسؤول قوله ان تصريحات اوباما هي محاولة للتذكير والردع ولكنها في الوقت نفسه تعكس الواقع لان امريكا لن تجلس تراقب حالة استخدم النظام الاسلحة الكيماوية ضد شعبه. وتشير الى ان الادارة تواجه ضغطا من نواب في الكونغرس للتدخل، خاصة السيناتور جون ماكين الذي دعا الى زيادة في جهود الادارة واقامة منطقة آمنة. في الوقت نفسه فالرأي العام الامريكي لم يظهر اي اهتمام بما يحدث في سورية مما يعني عدم وجود ضغط على الادارة.
ويعتبر ماكين من اكثر نقاد الادارة خاصة في موقفها الحذر من ليبيا، لكن المحللين يرون ان سورية اعقد من ليبيا، فالقذافي لم يكن يدعمه اي طرف، ولم يكن لديه جيش قوي كما ان آثار الازمة في سورية ستكون اكثر خطورة من الوضع في ليبيا. وفي الوقت الحالي فالتدخل العسكري يواجه بعوائق نظرا للموقف الصيني والروسي ومع ذلك فلا تزال وزارة الدفاع تعد الخطط الطارئة لتدخل محتمل وتتراوح ما بين اقامة منطقة عازلة الى ارسال قوات خاصة لتأمين الترسانة الكيماوية.
عن القدس العربي
ليست هناك تعليقات:
Write comments