د.خالد الطراولي
إن المشهد السياسي الإسلامي الوسطي مفتوح في الأيام القادمة على التشكل من جديد عبر إيجاد قطب سياسي مختلف عن حركة النهضة، يوجد توازنا محمودا داخل هذا الإطار الاسلامي الوسطي ودعما له ويشكل بديلا جديا ومنافسا، وينقذ المشروع الإسلامي من التغول أو الاستعلاء أو السقوط أو حتى الزيغ في بعض الممارسات والاجتهادات غير المحمودة، وذلك عبر قراءة أخرى للمرجعية الإسلامية في بعدها الوسطي مع إضافات جديرة بالاهتمام وتحوم غالبا حول سباعية محورية : الإسلامية، الوطنية، الأخلاقية، المدنية، الوسطية، الواقعية، والمعيشية.
الإسلاميون الوسطيون ليسوا كلهم نهضاويين
ليست مفاجأة أن يصطبغ المشهد الإسلامي الوسطي في تونس بهيمنة حركة النهضة، والمبررات لذلك كثيرة منها التاريخ حيث كانت الحركة تمثل تجمعا هائلا لكل من يرى في المشروع الإسلامي حبل نجاة لواقعه المعاش، كما أنها تشكل ولا شك عند المواطن التونسي العادي ممثلا للإسلام في بعده السياسي. كما أن من الأسباب التي لا يجب إنكارها في هذا المجال هو البعد النضالي للحركة حيث ظلت شوكة في حنجرة الاستبداد ودفعت الثمن باهضا لذلك. غير أن هذه الأسباب الموضوعية زادها تمكنا البعد المادي حيث أصبحت حركة النهضة من أثرى الحركات السياسية على النطاق العربي، وهذه بوابة هامة للتوسع والهيمنة والتضخم. ولكن رغم هذه المعطيات لا يمكن أن تمثل النهضة كل الفسيفساء الإسلامية الوسطية حيث يمكن رصد مستويين هامين في هذا الإطار:
*الإسلاميون المستقلون :
هم لفيف كبير لا يستهان بعدده، منهم بقايا الاتجاه الإسلامي السابق والذين اختلفوا سابقا ولاحقا مع الحركة الأم لأسباب عدة وفضلوا البقاء خارج السرايا وقد حاولت حركة النهضة استرجاع بعضهم في المؤتمر الأخير وكان النجاح نسبيا. وهؤلاء يمثلون ولاشك مخزونا سياسيا هاما لما يحملونه من تجربة سياسية ورصيد نضالي حيث مروا من نفس طريق العذابات من سجون ومنافي، كما يحملون ولاشك إضافة نوعية للمشهد بتنوع آرائهم وقراءاتهم التي تنبعث من المرجعية الإسلامية.
كما نجد صنفا آخر من الإسلاميين المستقلين تتمثل في مجموعة كبيرة ممن عايشوا التجربة السياسية عن بعد وكانت عصا الجلاد وسنوات الجمر قد حبستهم عن البروز وفضلوا الاكتفاء بضمان الحد الأدنى من إسلامية مشروعهم، الذي وقع اختزله في تربية أولادهم ومحافظتهم على الجانب الشعائري في حياتهم الخاصة والأسرية دون أن ينسوا الطابع السياسي لمشروعهم النضالي الذي وضع على الرفوف في انتظار أيام أسلم. وهؤلاء لا يمثلون صنفا متجانسا ولا شك حيث التحق بعضهم بصفوف حركة النهضة وفضل آخرون البقاء خارجا لعدم مطابقة آرائهم ومقاربتهم مع أطروحات الحركة.
أما الصنف الأخير من الإسلاميين المستقلين فهم ممن اكتشف البعد السياسي للمشروع الإسلامي عبر مطية الصحوة والباب الشعائري، والذي ساهمت الثورة بتجليه عبر إطار الحريات المتاح. وهؤلاء صنف جميل وعلى "الفطرة" لم تطبخه السياسة بعد ولم يعرفها من بوابتها المعتادة، ويمكن أن يشكل لاحقا إضافة نوعية للمشروع السياسي بإدخال جانب مهم من البعد الروحي للميدان السياسي وربط مشروع الأرض بمشروع السماء في إطار من التسامح والسلام.
*الإسلاميون المتحزبون :
ويمكن الحديث عن نوعين، منهم طرف التحق بالعمل السياسي من بعد الثورة وهو يحمل المرجعية الإسلامية في جعابه فنال التأشيرة لحزبه ويمكن الحديث في هذا الباب عما يقارب العشرة أحزاب مثل حزب الأمان والأمانة والعدالة والتنمية وهي أحزاب جديدة على الساحة يغلب على بعضها ارتباطها بمؤسسها مع غياب نسبي للمشروع وعدم وجود إضافات وتميز واضح في أطروحتها السياسية ولذلك فهي تكاد تكون غائبة على المشهد وانحسر فعلها بعد الانتخابات وبقي منحصرا في بيانات يتيمة لأحد الأحزاب دون غير.
أما النوع الثاني فيمكن اختزاله في حركة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي، حيث مثلت هذه الحركة اختلافا في مستويات ثلاث عن بقية الطيف الإسلامي الوسطي، فهي تأسست قبل الثورة سنة 2005 من قبل مجموعة من الأفراد في المهجر وبقيت تكتب مشروعها على صفحات موقعها على النات والذي وقعت قرصنته من قبل نظام بن علي عديد المرات[www.liqaa.net]. فهي بالتالي تتميز بتراكم كتاباتها ونضالاتها على الشبكة العنكبوتية ووجدت في الهجرة فضاء حرا للإبداع والإنتاج ونشرت عبر مؤسسها الدكتور خالد الطراولي خمسة كتب في هذا المجال.
كما تتميز هذه الحركة بإضافتها للمشروع السياسي بتركيزها على البعد الأخلاقي والمنظومة القيمية، حيث جعلت الأخلاق مكونا لرمزها وشعارها ثم جعلت البصمة الأخلاقية والقيمية تلازم كل مشروعها في مستوياها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية حيث برزت كتابات الصيرفة الإسلامية والاقتصاد الإسلامي كمنتوج أخلاقي وقيمي لهذا المشروع.
أما التميز الثالث الذي تحمله هذه الحركة فهو البعد الحضاري لمشروعها حيث لا تختزل إضافتها في بابها السياسي والإجرائي ولكن تسعى إلى تكوين مدرسة في الإصلاح والنهوض الحضاري من بابها الأخلاقي والقيمي.
ختاما
إن المشهد السياسي الإسلامي الوسطي مفتوح في الأيام القادمة على التشكل من جديد عبر إيجاد قطب سياسي مختلف عن حركة النهضة، يوجد توازنا محمودا داخل هذا الإطار الاسلامي الوسطي ودعما له ويشكل بديلا جديا ومنافسا، وينقذ المشروع الإسلامي من التغول أو الاستعلاء أو السقوط أو حتى الزيغ في بعض الممارسات والاجتهادات غير المحمودة، وذلك عبر قراءة أخرى للمرجعية الإسلامية في بعدها الوسطي مع إضافات جديرة بالاهتمام وتحوم غالبا حول سباعية محورية : الإسلامية، الوطنية، الأخلاقية، المدنية، الوسطية، الواقعية، والمعيشية.
ليست هناك تعليقات:
Write comments