نور الدين بالطيب
أدانت وزارة الشؤون الدينية في تونس، أمس، إجبار أئمة سلفيين ومتعاطفين معهم من حركة «النهضة»، المصلّين على الصلاة في الساحات العامة وإغلاق المساجد التي كان يفترض بها أن تحتضن صلاة العيد، وذلك رغم دعوة مفتي الديار، الشيخ عثمان بطيخ، إلى رفض الصلاة في الطرقات والساحات العامة. وحوّل السلفيون، وأنصارهم من حركة «النهضة»، صلاة العيد إلى مشهد استعراضي، نال فيه الديموقراطيون والعلمانيون واليسار وحزب «نداء تونس» حظهم من دعوات الأئمة.
وما حدث يوم العيد من توظيف سياسي مفضوح زاد من الاحتقان والإحباط في الشارع التونسي المغلوب على أمره، اذ يُعَدّ حلقة جديدة من مسلسل «الاختطاف» الذي تقوم به بعض المجموعات باسم الإسلام.
وكانت المساجد التونسية قد شهدت خلال شهر الصيام حالات عنف، بينها اقتحام مجموعة سلفية مسجداً في ضاحية منوبة القريبة من العاصمة تونس، وإخراج الإمام المعتكف داخل المسجد بالقوة منه. هذه الحادثة، على غرابتها، لم تلفت كثيراً اهتمام التونسيين، الذين فضل بعضهم هجر المساجد، بسبب ما تعيشه من تجاذبات بين التيارات السلفية والأئمة المعينين في النظام السابق وأنصار حركة «النهضة». ولم يسلم من هذه التجاذبات حتى الجامع الأعظم «الزيتونة»، الذي يملك رمزية خاصة في الوجدان التونسي والمغربي أيضاً، نسبة إلى دوره الكبير، منذ تأسيسه على يدي عبد الله بن الحباب، في التعليم والفكر والسياسة، إذ تخرّج منه عدد من المفكرين والمصلحين والسياسيين من المغرب العربي، وخصوصاً الجزائر.
وتمثل هذا الصراع في رفض شيخ الجامع الأعظم حسين العبيدي تولي الأستاذ في جامعة الزيتونة محمد بوزغبية، الذي عينته وزارة الشؤون الدينية، الإمامة. وطالب بأن ترفع الوزارة والحكومة يدها عن أهم مساجد تونس، قبل أن يطرد الإمام المعين ويعين إماماً آخر من «مشيخة» الجامع، وهي الهيئة الدينية العليا التي تشرف على المسجد منذ سقوط النظام السابق، ريثما يعود إلى ممارسة الإمامة التي عزلته منها الوزارة. وتجدر الإشارة إلى أن العبيدي لا يملك أي تفويض إداري قانوني لتولي إمامة الجامع الأعظم، وهو منصب كان إلى وقت قريب من أرفع المناصب الدينية، بعد منصب الوزير المفتي ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى.
ورفعت وزارة الشؤون الدينية دعوى أمام المحكمة ضد العبيدي، لكن المحكمة رفضتها وقضت باستقلالية الجامع الأعظم عن الوزارة. واعتقلت قوات الأمن العبيدي بسبب تغييره أقفال الجامع «والاعتداء على العدل المنفذ الذي كلفته به وزارة الشؤون الدينية باستعادة المفاتيح». ولم تفشل الوزارة في فرض مرشحها في هذا المسجد فقط، بل هناك نحو 20 في المئة من المساجد خارج سيطرة الوزارة كلياً.
وترى الوزارة أن بقايا النظام السابق وبعض المنحرفين من تجار المخدرات والخمور يقفون وراء الفوضى التي عمت المساجد، في الوقت الذي تتبادل فيه التيارات السلفية وحركة «النهضة» وجمعية أئمة المساجد ونقابة الأئمة الاتهامات حول توظيف المساجد في المعارك السياسية. وقد شهدت مجموعة من المساجد أحداث عنف في داخلها، مثلما حدث في جامع الرحمة بباجة وفي سليانة وفي غار الدماء، وهو ما اضطر النيابة العمومية إلى ملاحقة أحد الأئمة في محافظة جندوبة غرب البلاد، بتهمة التحريض على القتل. وهي التهمة التي نفاها الإمام ورأى أنها ذات خلفية سياسية متعلقة بالخلاف مع حركة «النهضة» الحاكمة.
وفي مسجد الرحمة بباجة، نشب خلاف بين مجموعتين من السلفيين، بعدما أصرّ عدد من المصلين على تناول الإفطار داخل المسجد قبل رفع الأذان أسوة بالسنّة النبوية، وهو ما عدّه عدد آخر من المصلين تعدياً على حرمة المسجد واستفزازاً للمصلين، وتطور الخلاف الى التشابك بالأيدي والتلفظ بكلمات نابية داخل حرم المسجد.
أحداث مماثلة تكررت خلال شهر رمضان في مساجد بصفاقس وسط البلاد وتطاوين جنوب البلاد، وكذلك في مساجد بعض مدن الساحل، وهو ما يشير إلى خروج المساجد عن سيطرة الدولة ودخولها في حلبة الصراع السياسي من الباب الكبير. وتنشط في هذه المساجد ثلاثة تيارات أساسية: السلفيون الذين يسيطرون بالكامل على عدد من المساجد ويفرضون فيها تصوراتهم الوهابية الغريبة عن روح الإسلام السني المالكي، وأنصار حركة «النهضة» الذين يعملون على السيطرة على المساجد لتوظيفها في الحملة الانتخابية، والتيار الثالث يتمثل في جمعية الأئمة ونقابتهم، وهو تيار محسوب على النظام السابق. والتيار الأخير يتمسك باستقلالية المساجد، وقد هدد بإضراب عام كان مقرراً ليوم ٨ آب قبل أن يؤجَّل.
وفي ظل هذه التجاذبات، تقدّم حزب «الأمان» بمشروع لهيكلة المساجد بما يضمن استقلاليتها عن كل الأطراف، بما فيها السلطة والمعارضة.
عن الأخبار
ليست هناك تعليقات:
Write comments