مات شكري بلعيد، أول ضحية اغتيال سياسي في تونس ما بعد الثورة، وهو يرى «الكابوس» الذي ما انفك يحاربه بعد إسقاط نظام زين العابدين بن علي قبل أكثر من سنتين يتحول حقيقة. الإسلام السياسي المتمثل بحزب «النهضة» الحاكم وأتباعه، يحاول فرض السيطرة المطلقة على الحكم وجرّ البلاد إلى دوامة عنف سياسي ممنهج، بهدف إقصاء الخصوم السياسيين. هذا ما رآه القيادي المعارض وحذّر منه في مناسبات عدة، كان آخرها مقابلة أُجريت معه عبر قناة «نسمة»، قبل يومين من اغتياله أمام منزله.
إذاً، عُرف المحامي والحقوقي التونسي كمدافع شرس عن العلمانية والديموقراطية في تونس، في وجه المخطط الإسلامي الديني لجرّها للعنف، والاستعانة مؤخراً للضغط على نقابييها وناشطيها بـ«لجان حماية الثورة»، التابعة لـ«النهضة»، التي أُشيع عن وجود تنسيق بينها وبين سلفيي تونس في العمليات. وقال بلعيد، في المقابلة، إن ما يحدث من اعتداءات ليست أحداثا عابرة، بل تأتي نتيجة تخطيط مركزي لاستهداف قوى مختلفة… ويبدو أن «النهضة» قد أعطت الضوء الأخضر للاغتيال السياسي.
وشكري بلعيد، المولود في جبل الجلود قرب العاصمة في العام 1946، كان ناشطاً حقوقياً معروفاً على صعيد تونس، كما في باريس والجزائر، وكان قد بدأ يتحول، إلى جانب الباجي قايد السبسي، إلى بديل موثوق للإسلام السياسي الذي بدأ يفقد أسهمه في تونس المتعبة، التي لم تحصل على ما وُعدت به ممن خلفوا بن علي.
ونشاط بلعيد لم يبدأ في عهد الإسلاميين فحسب، بل عُرف القيادي التونسي بنضاله السياسي خلال حكم الرئيس السابق، واشتهر خصوصاً بمواقفه في أحداث الحوض المنجمي في قفصة.
بعد قيام الثورة التونسية، انضم بلعيد إلى الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديموقراطي، وذلك قبل أن يصبح الناطق الرسمي للتيار الوطني الديموقراطي المعارض، الذي أنشئ بعد الثورة، ثم ينتخب كأمين عام له في 2 أيلول الماضي. ويعتبر من أبرز قياديي الجبهة الشعبية التي تضم شخصيات مستقلة و12حزبا من الأحزاب القومية واليسارية والعلمانية.
يُذكر أن البيان التأسيسي لحزب الوطنيين الديموقراطيين تناول الشأن الديني، في ورقة كانت الأولى من نوعها التي يقع الإعلان عنها من قبل حزب سياسي. وقال بلعيد حينها إن «الورقة المذكورة ليست موجهة ضد طرف سياسي بعينه، ولكنها تسعى إلى التنبيه بضرورة عدم احتكار الدين، والسعي إلى توظيفه في الحياة السياسية وممارسة العنف باسمه قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية».
وكان بلعيد عمل على توحيد القوى الشعبيّة والديموقراطية في تونس، وأسهم في تعزيز قوة وفعالية ما عُرف بالجهويات، وهي فروع «الاتحاد التونسي للشغل»، التي امتلكت مع الوقت تأثيراً فاق ما يحظى به الفرع المركزي للاتحاد.
تلقى بلعيد في مناسبات عدة تهديدات بالقتل، وأنشئت صفحات على «فايسبوك» تتهمه بالعمالة والإلحاد وتطالب بقتله، وقد حُذفت هذه الصفحات بعد مقتله مباشرة، بحسب ما تداولته مواقع إخبارية تونسية وعالمية.
عن («السفير»)
ليست هناك تعليقات:
Write comments